الثلاثاء، 28 فبراير 2012

Health care system in Saudi Arabia: an overview

M. Almalki, G. Fitzgerald  and M. Clark

 نظام الرعاية الصحية في المملكة العربية السعودية: استعراض
محمد المالكي، جيري فيتزجيرالد، ميشيل كلارك

الخلاصـة: أوْلَت حكومة المملكة العربية السعودية جُلَّ اهتمامها لتنمية خدمات الرعاية الصحية على جميع مستويات الرعاية: الأولية، والثانوية، والثالثية. ونتيجةً لذلك تحسَّنت بدرجة كبيرة صحة السعوديين في العقود الأخيرة. إلا أن هناك عدداً من المشاكل التي تضع تحديات أمام نظام الرعاية الصحية، مثل نقص العاملين الصحيين السعوديين، والأدوار المتعددة لوزارة الصحة، والموارد المالية المحدودة، والتغير في أنماط الأمراض، والطلب المرتفع الناتج عن الخدمات المجانية، وعدم وجود سياسة وطنية لإدارة الأزمات، وضعف القدرة على الوصول إلى بعض مرافق الرعاية الصحية، وعدم وجود نظام للمعلومات الصحية الوطنية، وضعف الاستفادة من إمكانيات استراتيجيات الصحة الإلكترونية. وتستعرض هذه الورقة التطور التاريخي والبنية الحالية لنظام الرعاية الصحية في المملكة العربية السعودية مع التركيز على قطاع الصحة العمومية، والفرص والتحديات التي تواجه نظام الرعاية الصحية السعودي.

  
 ABSTRACT: The government of Saudi Arabia has given high priority to the development of health care services at all levels: primary, secondary and tertiary. As a consequence, the health of the Saudi population has greatly improved in recent decades. However, a number of issues pose challenges to the health care system, such a shortage of Saudi health professionals, the health ministry’s multiple roles, limited financial resources, changing patterns of disease, high demand resulting from free services, an absence of a national crisis management policy, poor accessibility to some health care facilities, lack of a national health information system, and the underutilization of the potential of electronic health strategies. This paper reviews the historical development and current structure of the health care system in Saudi Arabia with particular emphasis on the public health sector and the opportunities and challenges confronting the Saudi health care system.


Aperçu du système de santé en Arabie saoudite

RÉSUMÉ: Le gouvernement d’Arabie saoudite a accordé une priorité élevée au développement des services de soins de santé à tous les niveaux : primaire, secondaire et tertiaire. En conséquence, la santé de la population saoudienne s’est grandement améliorée au cours des dernières décennies. Toutefois, le système de santé est confronté à de multiples défis tels que la pénurie de professionnels de santé saoudiens, les rôles multiples du ministère de la Santé, des ressources financières limitées, l’évolution des tableaux de morbidité, la forte demande générée par la gratuité des services, l’absence de politique nationale de gestion des crises, l’accès médiocre à certains établissements de soins, l’absence de système national d’information sanitaire et la sous-utilisation du potentiel des stratégies de cybersanté. Le présent article passe en revue l’histoire du système de santé saoudien et sa structure actuelle et met l’accent sur le secteur de la santé publique, les opportunités qui s’offrent à ce système et les obstacles auxquels il est confronté.
The nursing profession in Saudi Arabia: an overview

ALMALKI M., FITZGERALD G. & CLARK M. (2011) The nursing profession in Saudi Arabia: an overview. International Nursing Review 58(3), 304–311
Aim:  The study aims to provide an overview of the nursing profession in Saudi Arabia, including its history, educational development, workforce and professional practice.
Background:  Saudi Arabia is faced with a chronic shortage of Saudi nurses, accompanied by high rates of turnover. Expatriate nurses form a large proportion of the nursing workforce in Saudi healthcare facilities, with Saudis comprising only 29.1% of the total nursing workforce. Despite the fact that the proportion of Saudi nurses is very low in general, this rate is lower in the private health sector where local nurses comprise only 4.1% of the total.
Methods:  Data relating to the nursing profession in Saudi Arabia were extracted from published literature identified through search of a range of publically available databases such as Medline, CINAHL, Google Scholar, Saudi health databases, Saudi health journals, government reports and relevant texts. Obtained information was evaluated for relevance and grouped on a thematic basis.
Conclusion:  The status of nursing in Saudi Arabia should be enhanced in order to make it a worthwhile career. The media should engage in helping to promote a positive image of the nursing profession. The education sector should reconsider the length of nursing training (5 years compared with 3 years in many developed countries) while maintaining competent and safe practice. Reducing the financial burden on the nursing student through provision of additional financial support would encourage more students. In particular, nurses should be paid a full salary during the intern year as currently occurs with medical students

وضوح الهدف وعلو الهمة: مثال من التاريخ

نور الدين زنكي محمود القائد والمجاهد الإسلامي البارز في بلاد الشام، بل وأحد أعظم القواد الإسلاميين الذين مروا على الأمة الإسلامية، بنى في عام 569هـ (1173م) في مدينة دمشق منبراً عظيماً مزيناً تزييناً فريداً وقال: سأضع هذا المنبر في المسجد الأقصى بإذن الله. لم يكن يومها قد تم تحرير المسجد الأقصى من قبضة النصارى ولكنها الثقة بالله والطموح الكبير والهمة العالية ووضوح الهدف. تخيلوا الأثر الإيجابي لذلك الإجراء البسيط عليه وعلى قواده وجيشه. مات رحمه الله في نفس العام (569هـ) قبل أن يحقق هدفه ولكنه قد بذر البذرة لمن بعده. واصل صلاح الدين (حاكم مصر والحجاز واليمن ذلك البطل المجاهد) رسالة نور الدين في الجهاد حتى فتح بيت المقدس واستعاد المسجد الأقصى في 27 رجب 583هـ (1187م) وأمر حينها بإحضار ذلك المنبر العظيم من دمشق وقام بوضعه في المسجد الأقصى وبقي فيه حتى يوم 7 جمادي الآخر 1389 هـ (21/8/ 1969م) عندما أحرقه المسيحي الأسترالي (دينيس مايكل روهاند) ضمن حريقه الآثم للمسجد الأقصى، ولم يتبقى من ذلك المنبر إلا قطع صغيرة محفوظة في المتحف الإسلامي بالحرم القدسي الشريف. أي أنه بقي قرابة ثمان مئة سنة في المسجد الأقصى. يا الله ما أعظمها من همة وما أقواها من عزيمة، صدقوا الله فصدقهم سبحانه. والخلاصة: وضوح الهدف والتخطيط السليم والعمل الجاد مع التوكل على الله والثقة في عونه عوامل استراتيجية لتحقيق المطالب والتطلعات!

الجمعة، 24 فبراير 2012

الوصول إلى مدينة بيرث

دخلت إلى صالة القدوم في صف طويل يسير باتجاه جوزات المطار لفحص أوراقنا الثبوتية وتأشيرات الدخول، مضى الجميع بشكل سريع حتى أنه اختلط علي وقوفهم أمام الموظف ومغادرتهم، وصل الدور إلي فتقدمت إلى الموظف وكنت حينها أعتقد أني شخص (عادي!) كأولئك الذين سبقوني، ناولته جوازي الأخضر المرصع بنخلة ذهبية يحفها سيفان، تفحصه وقلبه ذات اليمين وذات الشمال، دقق في المعلومات لديه كثيراً، ثم ناوله لضابط يقف خلفه هو فقط وكأنه قد جُهز لاستقبالي ثم أومأ لي بالتوجه إلى الضابط ...

أخذ الضابط جوازي وابتعد قليلاً عن الكاونتر ولحقت به في دهشة، توقف في ناحية من المكان وبادرني بالتحية ورحب بي في بيرث، فحييته بالمثل، بدأ في توجيه بعض الأسئلة والاستفسارات مصحوبة بنظرات حازمة أوقعت في قلبي القلق، كان يتحدث بسرعة وبلهجة استرالية شديدة الصعوبة، ولكنني حاولت مجاراته حيناً وحيناً أستوضح مغزى سؤاله لأنني خشيت أن أقع في ورطة سوء الفهم كما فعل ذلك السائح الذي أجاب بأنه إرهابي (Terrorist) بدلاً من أن يقول سائح (Tourist)!

ما اسمك؟ من أين أتيت؟ لماذا أتيت إلى بيرث؟ ولماذا الآن؟ هل سوف تبقى طويلاً في بيرث؟ كم لديك من المال؟ وغيرها الكثير من الأسئلة .. طلب مني الانتظار ريثما يعود إلي. أخذ جوازي وتوارى عن الأنظار، مرت نصف ساعة، ساعة، الوقت يمضي ... وصاحبي لم يعد، كان جميع الركاب الذين جاؤا معي على متن الرحلة قد غادروا ولم يتبقى إلا أنا!

يارب ماذا حدث؟!
انتابتني الشكوك، وداهمني شيء من الخوف، وبدأت أتساءل لماذا أنا بالذات؟ وماذا يريدون مني؟ ولماذا يستوقفونني لهذا الوقت الطويل؟ ماذا أتى بي إلى هنا؟ ليتني بقيت في (عرقين)! ومما زاد من توجسي هو أن الحرب على العراق كانت قد بدأت قبل وصولي بحوالي خمسة أيام، فخشيت أن يكونوا قد ارتابوا في أو أن هنالك تشابها في اسمي مع اسم شخص آخر قد يكون مطلوباً لديهم. وسوسة شديدة كانت تتغلغل إلى نفسي وأنا الغر بالسفر، ولكنني أسلي نفسي وأتصبر وأخاطب نفسي قائلاً: ثق بالله فأنت لم ترتكب جرماً وكل شيء لديك نظامي فلا خوف عليك، فقط ثق بالله واعلم أنه لن يصيبك إلا ما كتب الله لك، وبينما أنا كذالك أسلي نفسي وأرجيها، جاءني الضابط وناولني جوازي وقال لي أعتذر عن التأخير ولكنها احتياطات أمنية يستلزم علينا القيام بها وأظنك تقدر ذلك..! قلت له بالطبع (وقد بلغ بي الأمر مبلغه) وهذا من حقكم، فأمن بلدكم شيء مهم لكم ولنا نحن المقيمين فيه. شكرني وسمح لي بالذهاب لاستلام حقائبي التي رقصت طويلاً على سير الحقائب، تناولت حقائبي وما أن هممت بالتحرك حتى جاءني أحد رجال الأمن يقود كلباً بوليسياً لم أرى أضخم ولا أقبح منه في حياتي، (أقصد عبر شاشات التلفزيون وإلا فأنا لم أرى الكلاب البوليسية على حقيقتها من قبل)، فداهم شنطي وتفحصها وتفحصني معها وكاد قلبي أن يتوقف من شدة الهلع، يا له من كلب قبيح ومرعب، ظننت أنه سيلتهمني أو على أقل تقدير أنه سيبتر أحد أطرافي.

تحركت بعدها إلى نقطة تفتيش القادمين وهنالك تم تفتيش حقائبي بكل دقة (وأمانة) كي أخرج بعدها (نظيفاً) إلى صالة المطار الخارجية - وهذا مخالف لما رأيته في مطار الرياض من تساهل في دخول الحقائب دون تفتيش حقيقي مما يشكل خطر على أمن الوطن والمواطن والمقيم. كانت الساعة حينها تشير إلى العاشرة ليلاً وكان الهدوء سيد المكان، لا تسمع أصوات العاملين ولا اللجبة المعتادة للقادمين والمغادرين على الرغم من أن المطار مطار دولي، الناس يأتون ويذهبون في سكون عجيب يبعث الرهبة في قلب الغريب القادم من بلاد الحركة الدؤوبة والأصوات الصاخبة، لم تكن لدي وجهة محددة ولا أدري إلى أين أذهب، تذكرت صديقي الذي سبقني للدراسة في بيرث فقررت الاتصال عليه، توجهت إلى مكتب الاستعلامات متسائلاً عن كيفية إجراء مكالمة هاتفية من داخل المطار إذ أني لم أشاهد أي هواتف قريبة، أرشدني موظف الاستعلامات إلى مواقع الهاتف التجاري بالمطار وباعني بطاقة إتصال مسبقة الدفع، رفعت سماعة الهاتف متصلاً على صديقي ولكنني لم أكن محظوظاً إذْ أن هاتفه كان مغلقاً، صديقي لم يكن يعلم عن وصولي في تلك الساعة، كنت قد أخبرته بخط سيري القديم ولكن الوقت لم يسعفني لإخباره بالمستجدات قبل مغادرتي لمطار جاكرتا.

توجهت إلى مكتب سيارات الأجرة في زاوية من المطار وكان مكتباً منظماً يسير العمل فيه بشكل راقي يختلف تماماً عن الحال في مطارتنا حيث لا حسيب ولا رقيب إذْ يتفاجأ القادم بعدد من الرجال يتسابقون إليه في مشهد عشوائي وكل واحدٍ منهم يحاول الظفر بهذا القادم دون أن يكون هنالك آلية صارمة لتنظيم هذا النشاط الهام الذي يعكس أول الانطباعات عن بلادنا ومجتمعنا لدى الزائر. حجزت إحدى السيارات المتوفرة لإيصالي إلى المدينة، وفي طريقي لركوبها برفقة السائق فتحت باب الراكب (عن يمين السيارة) جرياً على الوضع في بلادنا لأتفاجأ بمقود السيارة أمامي بينما كان السائق ينظر إلي في دهشة وتوجس، عدت للخلف محرجاً ومعتذراً واتجهت للباب الآخر، أدار قائد السيارة محركها وتحرك في هدوء، كان رجلاً ضخم الجثة، أشقر اللون، يظهر عليه أنه في الأربعينات من عمره.

كانت أول جملة نطق بها.. أين وجهتك؟
طلبت منه أخذي إلى أحد الفنادق القريبة من جامعة كيرتن؟ رد علي بهدوء قائلاً: لا يوجد فنادق بقرب الجامعة ياسيدي ولكن هنالك موتيلات جيدة وذات سعر معقول في موقع متوسط بين الجامعة والمطار، فوافقت على الفور. كان يسوق سيارته بكل هدوء، وكان قليل الكلام، إلا أنه كان يسأل بعض الأسئلة من حين إلى آخر، كان الطريق مظلماً جداً وشبه خالٍ من السيارات. في البداية ظننت أن المطار يبعد عن المدينة كثيراً ولكنني تفاجأت حين أخبرني أن المسافة لا تتجاوز عشرين دقيقة في أطول الأحوال..!

كنت أتساءل، ولماذا هذا الظلام المخيم الذي قد غطى كل مكان؟
أين أضواء المدينة الصاخبة؟
أين شوارع المدينة المزدحمة؟
اليست هذه مدينة (بيرث) عاصمة غرب استراليا؟ طبعاً أتساءل مع نفسي!
وبينما أنا غارق في تساؤلاتي، إذا بعدد بسيط من المباني تلوح في الظلام، وماهي إلا دقائق معدودة حتى توقف السائق أمام أحدها!
كان مبناً لا بأس به ولكنه لم يكن كما تخيلته...
لم أرى فيه تلك الأنوار الصاخبة التي اعتدت على رؤيتها في المدن الصغيرة في وطني فضلاً عما هو عليه الحال في المدن الرئيسية كالرياض وجدة وغيرها، حتى ظننت أنه ربما أخذني إلى قرية صغيرة أو مكان مهجور!

رافقني إلى غرفة الاستقبال وساعدني في إنجاز الحجز والدفع، ثم ساعدني في إنزال حقائبي ودفعها معي حتى وصلنا إلى السلم المؤدي إلى الدور الثاني وودعني ثم ذهب، تأكدت الآن أني في موتيل فعلاً. لم يكن هنالك موظفين يتسابقون على حمل الحقائب، ولم يكن هنالك سلم كهربائي لينقلني إلى غرفتي في الدور الثاني (لأنه موتيل صغير كما أخبرتكم سالفاً)، وكان لزاماً علي أن أحمل حقائبي على ظهري وخصوصاً تلك الحقيبة الضخمة التي كادت أن تفت عظامي وتفكك مفاصلي، وصلت إلى الغرفة المخصصة، ألقيت حقائبي جانباً، حمدت الله وخلدت إلى سريري طمعاً في غفوة أستقوي بها على أعمالي في الغد، لكنني لم أستطع النوم، بل إن ذكريات الأهل والوطن تحركت فحركت معها عواطفي وشجوني، وحركت معها كل شيء جميل، بل حتى إنها حركت دمــــــوعي..!

تضايقت كثيراً عندما رأيت الوضع المحيط، فكل شيء يبدو بسيطاً، والظلام الدامس يغشى المكان، حتى داخل الغرفة كانت الإضاءة خافتة جداً، والوحشة تملأ أرجاء المكان. عشت مع أفكاري وذكرياتي حتى داهمني النعاس وأسلمت عيناي لسلطان النوم، نمت حتى بزغ الفجر ثم قمت لأداء الصلاة ولكنني حقاً افتقدت شيئاً عظيماً كنت قد اعتدت عليه في قريتي الصغيرة (عرقين) وهو صوت مؤذني الحي (جبران علي، جيبان، محمد علي، والعم فرح الفيفي)، يا الله كم كان يطرب مسامعي ذلك الصوت وكم كان يبعث في نفسي الهمة والنشاط وعلى الرغم من ذلك  فأنا لم أشعر بقيمته وفضله كما شعرت به في هذا اليوم. قمت لأداء الصلاة وكم كانت هي اللذة التي شعرت بها وأنا أؤدي صلاة الفجر في هذا البلد، حقاً لقد كان إحساس عظيم جعلني أستشعر قيمة الإسلام وفضل الله ونعمته علي.

مع استيقاظي المبكر استيقظت معدتي الخاوية وقد ألهبتها حرارة الجوع، نهضت أجوب أركان الغرفة وأتحسس ثلاجتها الصغيرة علّي أجد فيها شيئاً أسد به جوعتي، وقعت عيني على شيء من البسكويتات والمرطبات والماء وقوارير أخرى لم أتبينها في حينها! لم يطل بي الوقت حتى أنجزت مهمتي لأستلقي ثانية على سريري منتظراً إسفار الصباح...

بزغت الشمس بخيوطها الذهبية لتضيء لي يوماً جديداً من حياتي في بلدٍ جديد سأقضي فيه بعضاً من سنين عمري بعيداً عن أهلي وأحبتي ووطني، طلعت الشمس لتزيح ظلام الليل الكئيب الذي طمس معالم المدينة، ومعالم المكان والإنسان هناك، طلعت لتكشف الستار عن مكان آخر غير ذلك المكان الذي رأيته بعيني ليلة البارحة، نعم لقد كشفت الستار عن مكان آخر، مكان جميل، كانت الأشجار تحيط بالمكان من كل ناحية، كانت العصافير تتراقص هنا وهناك وتشدوا بألحانها الشجية التي أطربت نفسي وأبهجتها، كان الهواء لطيفاً وهو يصافح وجهي الذي يطل من نافذة الغرفة، يا سبحان الله ما أروع المكان، خرجت مسرعاً إلى شرفة تطل على ناحية أخرى من المدينة، لتقع عيناي على منظر لم أرى مثله من قبل، إنه نهر (سوان SWAN)، ذلك النهر الذي يشق مدينة بيرث ليصب في المحيط الهندي، كانت مياهه تنساب أمام ناظري في مشهد جميل يبث في الروح أمال جديدة وطموحات متقدة ومما زاد جمال المشهد هو تعانق خيوط الشمس الذهبية مع المياه الجارية، حقاً إنه مشهد لن أنساه ما حييت، ومن هنا بدأ أول أيامي بمدينة بيرث.

[وللذكرى بقية]
بقلم: محمد المالكي

الأربعاء، 22 فبراير 2012

بين الرياض ومدينة بيرث

أكملت الرحلة مسارها باتجاه مدينة جاكرتا (عاصمة اندنوسيا)  سبحت في الفضاء قرابة الثمان ساعات، كانت تلك هي رحلتي الأولى إلى خارج الوطن ولا عجب فلقد أمضيت معظم أيام حياتي في قريتي الصغيرة (عرقين) بمحافظة الدائر بني مالك الحبيبة، تتخللها بعض الزيارات المتفرقة لمدن وطني العزيز كمكة المكرمة والرياض والشرقية وعسير وجدة وسواها من مناطق ومدن الوطن، مرت الساعات ثقيلة وطويلة ومملة ومما زاد من مللي هي تلك الأصوات المتعالية من بعض المسافرين على نفس الرحلة، حيث كانت الأصوات والضحكات تتعالى في كل ركن وزاوية من تلك الطائرة وبلغة لا أفهمها ولا يفهمها إلا البعض من ملاحي الطائرة الذين اعتادوا على سماعها كثيراً، كما أن تدني مستوى النظافة على متن الطائرة كان ملحوظاً إذْ أن بعض المسافرين لا يتوانون عن رمي مخلفاتهم تحت أقدامهم وفي الممرات، استمر الوضع هكذا حتى هبطت الطائرة في مطار كوالالمبور لمدة ساعة واحدة ليهبط منها بعض المسافرون ويصعد إلى متنها آخرون قبل أن تعاود انطلاقها باتجاه مدينة جاكرتا، في مطار كوالالمبور وقعت عيناي على مساحات خضراء ممتدة كادت أن تقفز إليها روحي من نافذة الطائرة الزجاجية والتي أجلس خلفها إذْ أنه لم يسمح لنا بمغادرة الطائرة، كان منظر جميل وبساط أخضر لم مثله من قبله على الواقع أعاد إلى نفسي شيئاً من سكينتها التي أذهبها الفراق والوداع والسفر.

بينما نحن نحلق باتجاه جاكرتا جلس بجانبي شاب سعودي من أهل مدينة جدة وكان شاباً مملوء الجسم رفيع القامة يبدو عليه الهدوء وطيب الخُلق، تحدث إلى وتحدثت إليه فعرفته باسمي وعرفني باسمه وأظنه (أحمد)، والحقيقة أني تمنيت لو أنه جلس إلى جانبي منذ انطلاقة الرحلة من مدينة الرياض فهو شاب مثقف وذو خبرة عريضة في الحياة كما اتضح لي من حديثنا، حين أخبرته أنها سفرتي الأولى إلى خارج الوطن قدم إلى بعض النصائح القيمة التي عرفت قدرها وقدر قائلها فيما بعد وفقه الله.

وصلنا إلى مطار جاكرتا، كان مطاراً كبيراً ذو تصميم جيد والحقيقة أن الشيء الايجابي في هذا المطار الذي لفت انتباهي هو الخدمات والمحلات التجارية المتوفرة فيه، حقيقة لقد تعجبت حين قارنت خدماته وأسواقه مع خدمات وأسواق مطاراتنا الدولية مع أن ذلك المطار ليس بمستوى أي من مطاراتنا من حيث الحجم والتصميم وأجزم أنه ليس في حجمها من حيث مبالغ الإنشاء والصيانة!

أنهيت إجراءات الوصول وتوجهت إلى مقر الخطوط الإسترالية (كوانتس) مباشرة لكي أبحث معهم أمر السكن حيث أن وجهتي القادمة هي مدينة سدني ثم بعد ذلك مدينة بيرث وهو خط بعيد ومرهق يصل في مجموعه من مدينة جازان إلى مدينة بيرث مروراً بسدني حوالي 28 ساعة طيران وكان ذلك المسار هو المسار الوحيد الذي تتوفر عليه حجوزات عند إجراء الحجز لأول مرة من السعودية  وكنت مضطراً حينها للسفر عليه حيث أن الدراسة قد بدأت منذ أسابيع في الجامعة التي أسافر إليها، وفي مكتب الشركة (كوانتس) وجدت موظفاً أشار علي باختصار الطريق إلى بيرث مباشرة وأفادني أن هنالك رحلة ستنطلق بعد 4 ساعات، كدت أطير فرحاً حيث أن الإجهاد والتعب قد أخذ مني مأخذاً كبيراً ولم يعد لدي القدرة والصبر على السفر عبر الخط القديم الذي يمر بسدني فوافقت فوراً وطلبت منه إنهاء الإجراءات وبالفعل تم كل شيء على مايرام.

بينما كنت أنتظر في ساحة المطار قررت الذهاب للتجول في أرجائه وشراء بعض الحاجيات، كان المطار مكتظاً بالمسافرين من كل حدب وصوب لدرجة أن الشخص يجد صعوبة في السير بينهم لشدة الزحام، هذا جالس، وذاك واقف، وهذا يقرأ والآخر يأكل، وأخر مستلقٍ في الطرف الآخر، زحام عجيب لا تراه حتى في البطحا!. أثناء تجولي شعرت بالعطش فقصدت أحد المحلات المفتوحة في سوق المطار، فوجئت بأن قيمة قارورة الماء (ثلاثة الآف روبية)، حدقت في البائع ووقفت مشدوهاً، ما هذا؟! ما أثمن هذه المياه؟! لم أكن أعرف أسعار صرف العملة الاندنوسية لعدم حاجتي لصرفها من قبل! ألم أقل لكم أني ابن القرية الصغيرة!، بعد أن صرفت مبلغاً معيناً من النقود الإمريكية التي أحملها أدركت أن سعر قارورة الماء لم يكن ذلك المبلغ الكبير الذي أدهشني في البداية.

على الرغم أنها المرة الأولى التي أسافر فيها خارجياً كما أسلفت، إلا أني لم أشعر حتى الآن بغربة حقيقية حيث أن معظم الناس في مطار جاكرتا كانوا من المسلمين أو من المجيدين لبعض أبجديات العربية أو إن صح التعبير نطق بعض الجمل العربية المكسرة التي تشعرك بشيء من الألفة، فكان بعضهم يرد علي السلام وبعضهم يسأل عن الحال، ومن لم يتحدث كان يبتسم، إلا أن الغربة الحقيقية بدأت عند دخولي إلى طائرة الخطوط الأسترالية (كوانتس)، فبمجرد جلوسي على المقعد المخصص لاحظت بعض العيون التي ترقبني بحذر فملامحي لا تكاد تخفى على أحد ومن يعرف ملامح العربي أدرك أني من هناك.

أجلت نظري يميناً وشمالاً لعلي أرى أحد من أبناء جلدتي كي أستأنس به ولكن لا أمل فالحمرة والشقرة قد ملأت أرجاء المكان، سبحت الطائرة في مسارها وسبحت معها أحلامي من جديد، لم يطل الوقت حتى جاء مجموعة من الملاحين يدفعون عربات المشروبات المختلفة، وصلوا إلي فسألني أحدهم، ماذا تحب أن تشرب؟! هل تفضل الخمر أم البيرة أم مشروبات عادية؟

تمتمت في نفسي "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، الحمد لله الذي جعلني من المسلمين"، ثم قلت له كوباً من عصير المانجو لو سمحت! ناولني كوب العصير ثم أكمل مشواره في توزيع المشروبات الكحولية وغير الكحولية وأنا أتأمل الفارق بين الطائرة التي نزلت منها (بغض النظر عن السلبيات) والتي صعدت إليها، هنالك استمعت إلى دعاء السفر عند الإقلاع وهنالك أطربت مسامعي بالقرآن الكريم، وعلى أقل تقدير كنت أشعر أنها جزء من الوطن! بينما كان أول شيء واجهته في هذه الطائرة هو الخمر والعيون المحدقة، لم يطل بي التفكير والتأمل والمقارنات، حيث كان يتعين علي أن أتفهم الوضع وأن أعي أنها طائرة تتبع لدولة أخرى لها ثقافتها ولها عادتها التي يجب علي أن أساير منها ما يناسبني وأدع ما دون ذلك. وفيما يتعلق بالثقافة والعادات، أدركت لاحقاً أن بعض شبابنا يعتقد أن التمدن والتحضر والتقدم لا يتحقق إلا بالانسلاخ عن مبادئنا وقيمنا وعادتنا الحميدة، وتقمص ثقافات الشعوب الأخرى، الجيد منها والسيئ على حدٍ سواء، وهذا في الواقع غير صحيح. يجب على المسلم أن يبقى متمسكاً بثقافته الإسلامية وعاداته الكريمة مع أخذ المفيد والصالح من الأمم الأخرى.

مضت الرحلة والتي تستغرق مدتها خمس ساعات كاملة وقد تزيد في بعض الأحيان، حاولت الاسترخاء قليلاً طمعاً في غفوة تخفف عني طول الرحلة، وبالفعل نمت ونمت ولم أصحو إلا على صوت كابتن الطائرة وهو يحث الجميع على الاستعداد للهبوط في مطار بيرث الدولي، لم أصدق هل يعقل أني نمت طوال الرحلة، مددت يدي إلى جيبي أتفقده فكان كل شيء على ما يرام، هبطت الطائرة في سلام، خرج الجميع يجرون حقائبهم الشخصية باتجاه صالة الوصول ...

[وللذكرى بقية]
بقلم: محمد المالكي

ليس من رأى كمن سمع أو قرأ..!

تعلمت أن التحدث إلى الناس مباشرة غير التواصل معهم عبر الهاتف أو الإيميل
كانت لي معاملة عاجلة يجب الانتهاء منها باسرع وقت ممكن، تواصلت مع الجهة ذات العلاقة وشرحت لهم قضيتي فأفادوني بضرورة الانتظار لمدة 24 ساعة حتى يتم النظر في معاملتي ومن ثم الرد علي .. ! قررت التوجه إليهم مباشرة وهنالك لم استغرق أكثر من ثلث ساعة والأمر منتهي ! بل وكانوا مرحين ومستعدين لتقديم أي خدمة بخلاف ما كان عليه الحال (عن بعد).

بعد اليوم قررت أن أقابل من أحتاج إليه بنفسي متى ما سنحت لي الظروف.


محمد المالكي

التسويف: مقصلة الإنجاز!

قررت قبل فترة من الزمن أن أشارك في أحد المؤتمرات العلمية، وبالفعل سلمتُ الورقة العلمية وتم قبولها، ولكن:

تأخرت عن تسجيل المشاركة في المؤتمر علماً أني قد جهزت أوراقه ومتطلباته مبكراً ولكنه الكسل والتسويف!
أجلت أجلت أجلت حتى لم يتبقى عن انطلاق المؤتمر إلا 6 أيام
بسبب تأجيلي ارتفعت اسعار التذاكر والفنادق بل إن الفنادق القريبة من الحدث شُغلت تماماً لدرجة أني لم أجد فيها غرفة واحدة شاغرة، كما أن فترة التسجيل أقفلت، إلا أني تواصلت مع منظمي المؤتمر وطلبت منهم السماح لي بالتسجيل حيث أن ورقتي العلمية قد قبلت في الأصل وبالفعل وافقوا ولكن أفادوني أن اسمي لن يظهر في برنامج الحفل ولا في كتيباته ولا منشوراته لأنها قد أرسلت إلى المطبعة !!
كان أهم أسباب تأخري في التسجيل هو تكاسلي في الحصول على عروض للطيران والإسكان وكل يوم أقول غداً إلا بعد غد إلا الذي يليه وهكذا ولم اشعر إلا وقد ذهب الوقت وانفلت من يدي.
تحركي في اللحظات الأخيرة أفقدني الكثير ولكنني تعلمت من نتائجه الكثير أيضاً:
تعلمت أن لا أؤجل عمل اليوم إلى الغد
تعلمت أن كتابة الأهداف لكل يوم والحرص على تنفيذها أمر لا بد منه
تعلمت أن (التسويف هو مقصلة الإنجاز)
تعلمت أني إذا لم أعيد ترتيب أوراقي فقد أخسر الكثير والكثير وقد أواجه الكثير من الصعوبات في المستقبل

موقف تعلمت منه فأحببت أن تشاركوني
محمد المالكي

الأكثر قراءة