أكملت الرحلة مسارها باتجاه مدينة جاكرتا (عاصمة اندنوسيا) سبحت في الفضاء قرابة الثمان ساعات، كانت تلك هي رحلتي الأولى إلى خارج الوطن ولا عجب فلقد أمضيت معظم أيام حياتي في قريتي الصغيرة (عرقين) بمحافظة الدائر بني مالك الحبيبة، تتخللها بعض الزيارات المتفرقة لمدن وطني العزيز كمكة المكرمة والرياض والشرقية وعسير وجدة وسواها من مناطق ومدن الوطن، مرت الساعات ثقيلة وطويلة ومملة ومما زاد من مللي هي تلك الأصوات المتعالية من بعض المسافرين على نفس الرحلة، حيث كانت الأصوات والضحكات تتعالى في كل ركن وزاوية من تلك الطائرة وبلغة لا أفهمها ولا يفهمها إلا البعض من ملاحي الطائرة الذين اعتادوا على سماعها كثيراً، كما أن تدني مستوى النظافة على متن الطائرة كان ملحوظاً إذْ أن بعض المسافرين لا يتوانون عن رمي مخلفاتهم تحت أقدامهم وفي الممرات، استمر الوضع هكذا حتى هبطت الطائرة في مطار كوالالمبور لمدة ساعة واحدة ليهبط منها بعض المسافرون ويصعد إلى متنها آخرون قبل أن تعاود انطلاقها باتجاه مدينة جاكرتا، في مطار كوالالمبور وقعت عيناي على مساحات خضراء ممتدة كادت أن تقفز إليها روحي من نافذة الطائرة الزجاجية والتي أجلس خلفها إذْ أنه لم يسمح لنا بمغادرة الطائرة، كان منظر جميل وبساط أخضر لم مثله من قبله على الواقع أعاد إلى نفسي شيئاً من سكينتها التي أذهبها الفراق والوداع والسفر.
بينما نحن نحلق باتجاه جاكرتا جلس بجانبي شاب سعودي من أهل مدينة جدة وكان شاباً مملوء الجسم رفيع القامة يبدو عليه الهدوء وطيب الخُلق، تحدث إلى وتحدثت إليه فعرفته باسمي وعرفني باسمه وأظنه (أحمد)، والحقيقة أني تمنيت لو أنه جلس إلى جانبي منذ انطلاقة الرحلة من مدينة الرياض فهو شاب مثقف وذو خبرة عريضة في الحياة كما اتضح لي من حديثنا، حين أخبرته أنها سفرتي الأولى إلى خارج الوطن قدم إلى بعض النصائح القيمة التي عرفت قدرها وقدر قائلها فيما بعد وفقه الله.
بينما نحن نحلق باتجاه جاكرتا جلس بجانبي شاب سعودي من أهل مدينة جدة وكان شاباً مملوء الجسم رفيع القامة يبدو عليه الهدوء وطيب الخُلق، تحدث إلى وتحدثت إليه فعرفته باسمي وعرفني باسمه وأظنه (أحمد)، والحقيقة أني تمنيت لو أنه جلس إلى جانبي منذ انطلاقة الرحلة من مدينة الرياض فهو شاب مثقف وذو خبرة عريضة في الحياة كما اتضح لي من حديثنا، حين أخبرته أنها سفرتي الأولى إلى خارج الوطن قدم إلى بعض النصائح القيمة التي عرفت قدرها وقدر قائلها فيما بعد وفقه الله.
وصلنا إلى مطار جاكرتا، كان مطاراً كبيراً ذو تصميم جيد والحقيقة أن الشيء الايجابي في هذا المطار الذي لفت انتباهي هو الخدمات والمحلات التجارية المتوفرة فيه، حقيقة لقد تعجبت حين قارنت خدماته وأسواقه مع خدمات وأسواق مطاراتنا الدولية مع أن ذلك المطار ليس بمستوى أي من مطاراتنا من حيث الحجم والتصميم وأجزم أنه ليس في حجمها من حيث مبالغ الإنشاء والصيانة!
أنهيت إجراءات الوصول وتوجهت إلى مقر الخطوط الإسترالية (كوانتس) مباشرة لكي أبحث معهم أمر السكن حيث أن وجهتي القادمة هي مدينة سدني ثم بعد ذلك مدينة بيرث وهو خط بعيد ومرهق يصل في مجموعه من مدينة جازان إلى مدينة بيرث مروراً بسدني حوالي 28 ساعة طيران وكان ذلك المسار هو المسار الوحيد الذي تتوفر عليه حجوزات عند إجراء الحجز لأول مرة من السعودية وكنت مضطراً حينها للسفر عليه حيث أن الدراسة قد بدأت منذ أسابيع في الجامعة التي أسافر إليها، وفي مكتب الشركة (كوانتس) وجدت موظفاً أشار علي باختصار الطريق إلى بيرث مباشرة وأفادني أن هنالك رحلة ستنطلق بعد 4 ساعات، كدت أطير فرحاً حيث أن الإجهاد والتعب قد أخذ مني مأخذاً كبيراً ولم يعد لدي القدرة والصبر على السفر عبر الخط القديم الذي يمر بسدني فوافقت فوراً وطلبت منه إنهاء الإجراءات وبالفعل تم كل شيء على مايرام.
بينما كنت أنتظر في ساحة المطار قررت الذهاب للتجول في أرجائه وشراء بعض الحاجيات، كان المطار مكتظاً بالمسافرين من كل حدب وصوب لدرجة أن الشخص يجد صعوبة في السير بينهم لشدة الزحام، هذا جالس، وذاك واقف، وهذا يقرأ والآخر يأكل، وأخر مستلقٍ في الطرف الآخر، زحام عجيب لا تراه حتى في البطحا!. أثناء تجولي شعرت بالعطش فقصدت أحد المحلات المفتوحة في سوق المطار، فوجئت بأن قيمة قارورة الماء (ثلاثة الآف روبية)، حدقت في البائع ووقفت مشدوهاً، ما هذا؟! ما أثمن هذه المياه؟! لم أكن أعرف أسعار صرف العملة الاندنوسية لعدم حاجتي لصرفها من قبل! ألم أقل لكم أني ابن القرية الصغيرة!، بعد أن صرفت مبلغاً معيناً من النقود الإمريكية التي أحملها أدركت أن سعر قارورة الماء لم يكن ذلك المبلغ الكبير الذي أدهشني في البداية.
على الرغم أنها المرة الأولى التي أسافر فيها خارجياً كما أسلفت، إلا أني لم أشعر حتى الآن بغربة حقيقية حيث أن معظم الناس في مطار جاكرتا كانوا من المسلمين أو من المجيدين لبعض أبجديات العربية أو إن صح التعبير نطق بعض الجمل العربية المكسرة التي تشعرك بشيء من الألفة، فكان بعضهم يرد علي السلام وبعضهم يسأل عن الحال، ومن لم يتحدث كان يبتسم، إلا أن الغربة الحقيقية بدأت عند دخولي إلى طائرة الخطوط الأسترالية (كوانتس)، فبمجرد جلوسي على المقعد المخصص لاحظت بعض العيون التي ترقبني بحذر فملامحي لا تكاد تخفى على أحد ومن يعرف ملامح العربي أدرك أني من هناك.
أجلت نظري يميناً وشمالاً لعلي أرى أحد من أبناء جلدتي كي أستأنس به ولكن لا أمل فالحمرة والشقرة قد ملأت أرجاء المكان، سبحت الطائرة في مسارها وسبحت معها أحلامي من جديد، لم يطل الوقت حتى جاء مجموعة من الملاحين يدفعون عربات المشروبات المختلفة، وصلوا إلي فسألني أحدهم، ماذا تحب أن تشرب؟! هل تفضل الخمر أم البيرة أم مشروبات عادية؟
تمتمت في نفسي "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، الحمد لله الذي جعلني من المسلمين"، ثم قلت له كوباً من عصير المانجو لو سمحت! ناولني كوب العصير ثم أكمل مشواره في توزيع المشروبات الكحولية وغير الكحولية وأنا أتأمل الفارق بين الطائرة التي نزلت منها (بغض النظر عن السلبيات) والتي صعدت إليها، هنالك استمعت إلى دعاء السفر عند الإقلاع وهنالك أطربت مسامعي بالقرآن الكريم، وعلى أقل تقدير كنت أشعر أنها جزء من الوطن! بينما كان أول شيء واجهته في هذه الطائرة هو الخمر والعيون المحدقة، لم يطل بي التفكير والتأمل والمقارنات، حيث كان يتعين علي أن أتفهم الوضع وأن أعي أنها طائرة تتبع لدولة أخرى لها ثقافتها ولها عادتها التي يجب علي أن أساير منها ما يناسبني وأدع ما دون ذلك. وفيما يتعلق بالثقافة والعادات، أدركت لاحقاً أن بعض شبابنا يعتقد أن التمدن والتحضر والتقدم لا يتحقق إلا بالانسلاخ عن مبادئنا وقيمنا وعادتنا الحميدة، وتقمص ثقافات الشعوب الأخرى، الجيد منها والسيئ على حدٍ سواء، وهذا في الواقع غير صحيح. يجب على المسلم أن يبقى متمسكاً بثقافته الإسلامية وعاداته الكريمة مع أخذ المفيد والصالح من الأمم الأخرى.
مضت الرحلة والتي تستغرق مدتها خمس ساعات كاملة وقد تزيد في بعض الأحيان، حاولت الاسترخاء قليلاً طمعاً في غفوة تخفف عني طول الرحلة، وبالفعل نمت ونمت ولم أصحو إلا على صوت كابتن الطائرة وهو يحث الجميع على الاستعداد للهبوط في مطار بيرث الدولي، لم أصدق هل يعقل أني نمت طوال الرحلة، مددت يدي إلى جيبي أتفقده فكان كل شيء على ما يرام، هبطت الطائرة في سلام، خرج الجميع يجرون حقائبهم الشخصية باتجاه صالة الوصول ...
[وللذكرى بقية]
بقلم: محمد المالكي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
تعليقاتكم تهمني ... فلا تترددوا في تدوينها